جيل القرآن

جيل القرآن
Mp3 indir

Mp4 indir

HD indir

Share

Paylaş

تحميل mp3
Share

يشارك

سؤال: يُذكَرُ في الجلسات الإيمانية مصطلح “جيل القرآن”، فمن هم هؤلاء؟ وما هي واجباتهم؟

الجواب: يُقصد بجيل القرآن ذلك الجيل الذي جعل هدفَه الأوحد إقامةَ مراد الحق تبارك وتعالى على وجه البسيطة، ومثَّل بحقٍّ الحقائق القرآنية التي يستمرّ هديها للناس حتى قيام الساعة، واتّخذ من اتّباع الهدي القرآني شعارًا له في أفكاره وأقواله وأفعاله، فأينما نظرتم وجدتم معاني القرآن تنساب من شتى أفراده، فهؤلاء يقفون أمام الله على الشكل الذي يريده الله ويقتضيه موقفهم في حضرة الله؛ ذلك أنهم جعلوا هدفَهم الأساسَ الآخرةَ التي هي موطن الجماليات الأبدية، لا الدنيا التي هي ميدان اختبار مؤقت.. إنهم يفضلون إحياء الآخرين ولا يطمحون إلى ملذّات الدنيا الفانية، بل إلى المكابدة والمعاناة في سبيل نعيم الآخرة الباقية.. يتحلّون بأخلاق القرآن فإذا ما رُؤوا ذُكِرَ الله تعالى كما جاء في الحديث الشريف[1].. من يتبعهم يصل إلى الله، وإن هؤلاء علاوة على معايشتهم وتمثيلهم للقرآن على مستوى حياتهم الشخصية قد نذروا أنفسهم لإحياء الحقائق القرآنية على مستوى الإنسانية جمعاء، وجعلها روحًا للحياة.

يوجد في العالم العديدُ من الأنماط العَقَدية، والمفاهيم الميتافيزيقية، والتصوّرات المتعلقة بالذات الإلهية، إلا أن المهم بالنسبة لنا هو ما يرشدنا القرآن الكريم إليه، كذلك الحال بالنسبة للمعلومات المتعلقة بالعالم الميتافيزيقي، فإن أصحّها وأصوبها هي ما يبلّغها الأنبياء عليهم السلام للناس، فالأنبياء قد عرّفوا البشرية بالذات الإلهية على أكمل وجه، وقدّموا أكثر التفسيرات الواقعية عن الموت والبرزخ والآخرة، فإن لم نُصغِ إلى صوت الوحي السماوي في هذه المسألة أخطأنا التصوّر والاعتقاد؛ ذلك أن أهل الكتاب لم يحافظوا على الوحي المنزَّل إليهم في صورته الأصلية، فوقعوا في بعض المزالق من حيث الاعتقاد، وأخطؤوا التفسير والتأويل، وسقطوا في بعض الانحرافات.

لا جرم أن العقل والإدراك البشري محدود، ولا يستطيع حتى الداهية من الناس تجاوز هذه الحدود، وكما قال الشاعر التركي ضياء باشا (ت: 1880م): “إن إدراك المعالي ليسَ من شأن هذا العقل الصغير، فإن هذا الميزان ينوءُ بهذا الحِملِ الكبير”، حتى الآن والعديد من الفلاسفة والمفكرين يتحدّثون عن وجود الله، ولكن من الضروري الإصغاء إلى الوحي للوصول إلى المعرفة الصحيحة حول أسماء الله وصفاته؛ لأن هذه مسألةٌ غيبيةٌ، القول الفصل فيها يتجاوز حدود إدراكنا، ومن ثَمّ فإن أسلم الطرق للحصول على معلومات دقيقة بشأن حقائق الألوهية والربوبية هو الإيمان بكلام الأنبياء، فمن المهام الرئيسة التي تقع على عاتقِ جيلِ القرآن التعرّف على الله من خلال الرجوع إلى الكتاب والسنة، وتعريفه للإنسانية على النحو الذي يشفي صدرها ويروي ظمأها.

يقول شاعر الإسلام محمد عاكف (ت: 1936م): “يجب أن يكون القرآن مصدر إلهامنا، ونبراس فكرنا”. أجل، لا بد أن يكون الأفق الذي أشار إليه الشاعر محمد عاكف هنا هدفًا رئيسًا لجيل القرآن، لقد تغير نهج الناس في قراءة الكون، واختلفت نظرتهم إلى الحوادث والأشياء بفضل تقدم العلوم، فإن لم تراعوا وجهة نظر هؤلاء الناس فلربما تنشأ بعض الفراغات في عالمهم القلبي والروحي كما حدث عند الكثيرين؛ ومن ثَمّ يجب أن تكون الأجيال التي نذرت نفسها لخدمة الإيمان والقرآن قادرة على تقديم الحقائق الميتافيزيقية للناس بطريقة لا تؤدّي إلى أيّ فراغٍ عقليٍّ وروحي وقلبي وعاطفي، وترضي الضمير، وتستقيم مع الفطرة السليمة.

ومن الجدير بالذكر أن هناك أناسًا يفهمون الفكرة التي عبر عنها عاكف في شعره بشكل مختلف، ويفسرون الموضوع بصورةٍ متباينة، ويتعاملون مع القرآن بمنهجية مغايرة، وينادون بضرورة إصلاح الدين بما يتوافق مع ظروف العصر، ويتعاملون مع القرآن على أنه مرتبط بذلك التاريخ الذي نزل فيه، ويزعمون أن بعض آيات القرآن غير صالحة اليوم؛ لأن بعض المبادئ التي تنصّ عليها تخالف المفاهيم والتصوّرات الحالية، ولذلك لا يستطيعون أن يتبنّوها أو يراعوها، اعتقادًا منهم أنها أنظمةٌ خاصّة بالمجتمع الجاهلي؛ ولذلك لا تلزمهم.

إنهم ينظرون من زاوية خاطئة، ويفكرون بشكل بعيدٍ عن الصواب، وللأسف فإن هؤلاء تحرّكهم اليوم توجهات سريعة الزوال، فهم يؤمنون باستحالة العيش على غير نمط الحياة الذي نعيشه اليوم، ويعتقدون أن الرؤية العالمية التي يفرضها علينا العصر الحديث اليوم هي الرؤية الأكثر مثالية، ويرفضون مسبقًا كلّ أنماط التفكير الأخرى، وبالتالي فهم يرون أن بعض أوامر القرآن قد ولّى عهدها، وعفا عليها الزمن، ولا يمكن تطبيقها اليوم..

لا شكّ أن تعرُّض القرآن للهجر والإهمال منذ قرون، وتعذُّر فهمه وتفهيمه وتمثيله بالشكل الصحيح؛ له أثرٌ بالغ في ظهور مثل هذه الأفكار، ولو عايش جيل القرآن حقائق القرآن بحقّ، وجعلوها روحًا لحياتهم؛ لهرولت كلُّ الإنسانية أفرادًا وجماعات إلى عالمهم.

ولهذا فمن الأهمية بمكانٍ أن يعبّر رجال الخدمة أينما ذهبوا عن أفكارهم ومشاعرهم الخاصة بعوالمهم الذاتية، ومع ذلك فينبغي ألا تغيب الحقيقة التالية عن بالنا وهي: ليس من اليسير أن يتقبّل جميعُ الناس والشعوب والدول رؤى عالمية أخرى غير رؤاهم العالمية، أو يقدّروا قيمًا أخرى غير قيمهم؛ وهم أصحاب النفوذ الاقتصادي والأفكار المتحجرة والقوميات المتعجرفة، يبسطون سلطانهم على العالم منذ قرون، وينظرون إلى الآخرين بازدراء، ويتصرّفون وفقًا لنظامٍ طبقي ضمني غيرِ مسمّى، ويفرضون ثقافتهم الخاصة على العالم.

ورغم كل شيء فإنكم حينما تكشفون عن فضائل عالمكم الذاتي وتعايشون القيم التي تؤمنون بها؛ فإن هذا من شأنه أن يثير الدهشة والحيرة في نفوس الآخرين، ولقد شاهدنا أمثلة كثيرة على ذلك حتى الآن، لدرجة أن بعض الأكاديميين المخضرمين المؤثرين في محيطهم يقولون: “إذا كان هناك شيء يعد بمستقبل زاهر للعالم فهو هذه الحركة”، وكذلك فإن التمثيل الصحيح في المنتديات الصغيرة يثير مثل هذه الدهشة، بل وحتى التوهّجات الخافتة تدفع الناس إلى عالم أفضل، فهذه كلها مصادر أمل بالنسبة لنا.. المهم هو أن تحافظوا على مرونتكم، وتواصلوا حملَ عبءِ الخدمات التي لا تزالون تقومون بها، وتحسنوا الحديث عن دينكم وعن قيمكم التي تؤمنون بها، وتمثّلوها على أكمل وجه، فمهما كان حجم الضرر الواقع اليوم فاعملوا على إصلاحه، واسعوا إلى ترميم الأسوار المهدّمة، ورأب الصدع والشقوق، وغلقِ المنافذ والثغرات، واجتهدوا في إظهار جماليات الإسلام المبهرة حتى ينتفع عباد الله منها، وأحسنوا استغلال إيمانكم وحماسكم ومعرفتكم.

وبعون الله ومدده ستلقى هذه الجهود المبذولة منكم حسن القبول من مخاطبيكم إن شاء الله؛ لأن فطرة الإنسان تنطوي على شعور البحث عن الحقيقة، والشوق إلى الجمال والتوق إلى الكمال.

[1] سنن ابن ماجه، الزهد، 4.