موقفُ المتطوِّعين مِن الاتّهامات المُوجَّهةِ إليهم

موقفُ المتطوِّعين مِن الاتّهامات المُوجَّهةِ إليهم
Mp3 indir

Mp4 indir

HD indir

Share

Paylaş

تحميل mp3
Share

يشارك

سؤال: تثير بعضُ القطاعات مجموعةً من الشبهات حول مَن نذروا أنفسهم لخدمة البشر في كلِّ فرصةٍ؛ فتتهمهم وتفتري عليهم؛ فتُعكِّرُ الجوّ العامَّ، فما هو الأسلوب المرجو اتّباعه إزاء هذه النوعية من الحوادث؟

الجواب: بدايةً إنني شخصيًّا أرى أنَّه لا داعيَ للرَّدِّ على معظم الافتراءات المزعومة بحق حركة الخدمة؛ لماذا؟ لأنَّ كلَّ إجابة وردٍّ يعني مُوارَبةَ الباب قليلًا لأنْ يظنَّ صحةَ تلك الاتهامات من يسمعونها للمرة الأولى؛ حتى إنَّ ما تسوقونه من إجابات قد يدفع البعض لأن يتساءل: “تُرى أيُحِسُّ هؤلاء أنَّهم مُجرمون حقًّا؟”، ولهذا لا يكون صوابًا أن تحاولوا بيان عدم صحة وصدق كل تلك الاتهامات والافتراءات الظاهرِ كذبُها والبيِّنِ منتجوها والواضحةِ أهدافُها، فَالعقلُ والوجدانُ سيحكمُ من فورِهِ بأنّه لا علاقة لتلك الافتراءات بكم قطّ.

البيِّنةُ على من ادّعى

علاوة على أنَّ هناك قاعدةً من القواعد الكُلّيّة تقول: “البيِّنةُ على من ادَّعى، واليمينُ على من أَنكر”، فإذا ادعى البعضُ شيئًا ضدّنا؛ فإنَّهم مكلفون ومطالبون بإثبات ما يدَّعونه، نحن نؤكد أنَّ كلَّ هذه الافتراءات كاذبة، وإذا أراد أحدٌ أن نقسمَ على ذلك؛ فإننا نقسم بكل أريحية: “والله، بالله، تالله أنَّه لا علاقة لنا قط بالأمور التي تعزونها إلينا”.

فضلًا عن أنَّني أعتقد أنَّ مَنْ يتحدثون دون تروٍّ ولا استحياءٍ بحقِّ فدائيِّي الخدمة الذين نذروا أنفسهم لإعلاء كلمة الله وليست لهم غاية سوى نَيلِ رضاه سبحانه وتعالى؛ إنما هم أشخاص عجزوا عن الحفاظ على مستوياتهم الإنسانية؛ وإنني وإن كنت أرى نفسي أحقر من الجميع إلَّا أنّني كإنسان شرُف بعبوديته لله تعالى أعتبرُ النزول إلى مستواهم عند الردّ على افتراءاتهم تلك نوعًا من سوء الأدب مع الله تعالى، وعلى النحو نفسه فإنني كفردٍ من أفراد أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعتبر الرد على تلك الافتراءات غير العقلانية وغير المنطقية التي يثور عليها الضمير اليقظُ يُشَكِّلُ خَطرًا يتمثَّلُ في النزول إلى مستوى هذه النوعية من البشر، وأَعُدُّ هذا نوعًا من سوء الأدب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ناحية أخرى فإنكم حين تبادرون إلى الردّ على كلِّ من يتحدث ضدَّكم فإن هذا يشغلكم كثيرًا؛ ويُهدِر أوقاتَكم القيّمة ولحظاتكم الثمينة، وبالتالي تعجزون عن القيام بأعمال عظيمةٍ للغاية يجب عليكم فعلها، والأكثر من ذلك أنَّ المفترين يُحرِّفون ما تسوقونه من ردود وأجوبة لأنهم ينتهجون المنهج الجدليَّ والدهماويّ، وهو ما قد يتسبب في تكون مجموعة جديدة من الأسئلة وإشارات الاستفهام في الأذهان، ونتيجة لكل هذه الأسباب فإنني أعتبر الرد على المفترين الذين يتفوهون ضدنا بمجموعات من الكلمات الطائشة غير المسؤولة عبثًا، وأُفَضِّلُ شخصيًّا التغاضي عنها كلّها.

جنون القوة الغاشمة

ومع هذا فإنَّه يجبُ -شريطة الحفاظ على أسلوبنا- الردُّ على الافتراءات وتوضيحُ الأمر والتصريحُ بالحقيقة إنْ كانت تلك الافتراءات المزعومة المطَّردة تتسبب في تشويش أذهان جموع واسعة من الناس، وتؤدي مع مرور الوقت إلى ميل أهل الفطرة والعقل السليم إلى مثل هذه النوعية من المزاعم الزائفة نتيجة كثرتها وتكرُّرِها باستمرارٍ، وانطلاقًا من هذا المنظور أَوَدُّ -إذا سمحتم- أن أتطرَّقَ باختصار إلى بضعة أمور مع خطوطِها الرئيسة:

لقد مُورِسَ حتى اليوم عديدٌ من الهجمات والاعتداءات على مجموعات شكّلها أناسٌ يرغبون في تحقيقِ مصالحِ أمَّتهم، ويكِدُّون من أجل ذلك؛ فلا يُقذفُ بالأحجار إلا الشجرة المثمرة، ولا سيما أنَّ من يتصرفون وفقًا للمنفعة السياسية والمصلحة الشخصية بذلوا ما في وسعهم من جهد وسعيٍ كي يُخضعوا لهم مَن عجزوا عن توجيهه كما يريدون، فلما سيطرت على قدر الأمة قوةٌ غاشمةٌ يتعذر تصويبها وتعديلها بالقانون والعدل كان المقياس الوحيد هو تلك الفكرة الكافرة: “ما دُمتُ قويًّا فمن حقي أن أفعل ما أريد، ولا قِبَلَ لأحدٍ أنْ يعترض عليَّ”.

ومن ثم فإنَّه يجب فهم وإدراك الفكرة الأساسية التي تؤدي إلى كلِّ هذه الحوادث بكلِّ خلفياتها فهمًا جيدًا، فقد يفكر القطاع المعتمِد على القوة الغاشمة هكذا: “ما دُمتُ قويًّا، فعليَّ أنْ أفعل ما يحلو لي، وعلى الناس ألا يعتبروا هذا ظلمًا وجورًا، بل إنني أستطيع قطع الرؤوس إذا لزم الأمر، ولتكن تلك الرؤوس فداءً للنظام الذي أرغب في إقامته وفقًا لعالمي الفكري الخاص”، بل إنَّ البعض صرح بهذا النوع من الأفكار الرامية إلى إبادة من ليسوا في صفّه، ويمكنكم أن تصِموا ما ينتهجه أمثال هؤلاء: بـ”الاصطفاء الإداري أو الإرادي”؛ كما تقول به الداروينيةُ: “الاصطفاء الطبيعي”.

والواقع أنّ الصراعَ بين الإيمان والكفر، وبين الإيمان والنفاق الذي ما زال مستمرًّا منذ القديم يكمن في أساس كل هذه الأمور، وثمة تنافس وصراع دائم بين المنهج النبوي ووساوس الشيطان، وبين سبيل الله تعالى وسبيل الشيطان؛ فقد أَظهر أذنابُ الشيطان عداواتهم في قوالب وأشكال مختلفة ضد من يسيرون على منهج نبويٍّ دائمًا، ولكن البعض استهدف الدين والمتدينين مباشرة أثناء تنفيذهم صراع “فاوست-مفستو” Faust-Mefisto 1 هذا، وكان البعض الآخر منهم قد فعل نفسَ الشيء متنكرًا في مظهر المتدينين. أجل، مهما كان منهج وسبيل كل من هذين القطاعين مختلفًا عن الآخر فإن صراعهم والأهداف التي يريدون الوصول إليها بهذا الصراع واحدة.

حتى وإنْ أنشأتم سُلَّمًا إلى الجنة…

في يومنا هذا ثمة خدمات مهمة للغاية تُقدَّمُ على أيدي الأرواح المتفانية التي انطلقت إلى كل ربوع العالم بإذن الله وعنايته، والبذور التي زرعها هؤلاء سوف تنبُتُ وتنمو بعد عشر أو عشرين سنة بإذن الله تعالى كما تنبت البذور المبذورة في الأرض. أجل، تتشكَّلُ اليوم جُزَيْراتٌ من الطمأنينة والسكينة يسودُها الحب والسلام، يعيش فيها أولئك المتفاهمون مع بعضهم البعض بفضل عناية الله ولطفه.

وقد أزعجت كل هذه التطورات وتزعج وستظل تزعج أولئك الذين يعانون مشكلة في قبول الآخرين، ويؤيِّدون العراك والصراعَ وهم مرضى بالحسدِ والحقدِ والبغضِ؛ إذ سخَّروا كلَّ إمكانياتهم ليس في سبيل الخير، وإنما لِكَيدِ مَنْ اتحدوا فيما بينهم لأجل ولادة سِلْم عالميّ، ولكي يُثنوهم عن طريقهم الذي يسيرون فيه، كما أنهم سيسعون إلى كسر قوّتهم المعنوية بتلك الحرب النفسية التي ينفذونها، ويحاولون إفسادَ معنوياتهم، وسوف يتحركون ومنهجهم في ذلك: “ارْمهِ بالوحل، إن لم يلتصِق به فعلى الأقلِّ سيُلطِّخُهُ”، وسيختلقون افتراءات كثيرةً يستحيل أن يقبل بها العقل السليم، فيُعكرون آراء الناس من العامة، ويسعون إلى تشتيت أذهانهم.

ولأن نيات هؤلاء القوم وأفكارهم فاسدة فلن تستطيعوا إرضاءهم مهما فعلتم، ولا منع حملات التشويه التي يشنُّونها؛ وبالتالي فإنهم سيحاولون أيضًا إثارة الشكوك في الأذهان بحقِّ أخلص فعالياتكم وأكثرها عقلانيّة ونفعًا، حتى إنكم إن أقمتم سُلَّمًا يرقى به الناس إلى قلب الجنة، فكنتم بفعلكم هذا وسيلة لأن يدخلها البعض؛ فإنهم في ظل منهجهم الجدلي والدهماوي سيبحثون فيكم عن شيء ينتقدونه، فيقولون مثلًا: “لماذا تَشُقُّونَ على الناس الذين سيدخلون الجنة بأن تقيموا سُلَّمًا، ماذا لو أنكم اتخذتم مِنَصَّة هنا، فأركبتم الناس على صاروخ، واستطعتم إرسالهم إلى الجنة بشكل أكثر راحة!”.

ذليلٌ عند ضعفه، ظالمٌ عند قوَّتِهِ

إن مثل هؤلاء الذين يسعون كي يظهروا بمظهرِ الحيادِ والديمقراطية حين لا تكون الظروفُ والأحوالُ مواتيةً ومناسبةً لهم؛ ما إن امتلَكُوا القوَّةَ حتى فَعَلُوا ما في مقدورهم كي يحطِّمُوا ويُدَمِّرُوا من يرونهم مخالفين لهم، غير أنه يجب ألّا ننسى أنَّ من تعرضوا بالأذى للسائرين في سبيل الله حتى اليوم وقالوا عنهم: “يجب تدمير فلان وفلان” جُعِلَ كيدهم في نحورِهم، فدمَّروا أنفسَهم بأنفُسِهم، وكما حفِظَ الله في كل عهدٍ مَن سار في سبيله فسيحفظُ أيضًا كلَّ مَنْ يسير على الطريق المستقيم، ويسعى لإحياء القيم المعنوية، ويتحرك من أجل إعلام الدنيا كلها بالقيم المُنسابة من جذوره المعنوية والروحية، بينما سيعاقب الله ويُجازي حقًّا كلَّ من يتعرّض له بالأذى.

إذًا أيًّا كان ما يفعله الآخرون؛ فإنَّه ينبغي لمَنْ آمنوا بالله حق الإيمان ألا يتنازلوا عن شخصياتهم وسماتهم، وإنني شخصيًا لأدعو الله تعالى قائلًا: “ربَّاه! امنحني فرصة الإحسان إلى من يؤذونني، ومساعدتهم حين ألتقي بهم، فإن سألوني عن سبب هذا أقول لهم: “كُلٌّ يعمل على شاكلته، وشخصيتي أنا تُحَتِّمُ عليَّ أن أعمل هكذا على شاكلتي”، أقول هذا، وأرجو أن أمتلك القدرة على التضحية والفدائية من أجل رضا الله تعالى كي نؤسِّسَ روح الوحدة والاتحاد رغمَ الكمِّ الهائلِ الذي نراهُ من ظلمٍ وجورٍ وغدر وإهانةٍ.

 

[1]فاوست ومفستو: بطلا المسرحيةِ المشهورة المسماة “فاوست” للشاعر الألماني الكبير “جوته”، يمثِّل فاوست شابًّا وقع في شباك الشيطان الذي يمثله في المسرحية نفسها “مفستو”، وصراع “فاوست-مفستو” يعني الصراع القديم المستمر بين نوع بني آدم والشيطان.